فصل: الخبر عن مهلك السلطان أبي سعيد عفا الله عنه وولاية السلطان أبي الحسن وما تخلل ذلك من الأحداث:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن مهلك السلطان أبي سعيد عفا الله عنه وولاية السلطان أبي الحسن وما تخلل ذلك من الأحداث:

كان السلطان لما بلغه وصول العروس بنت مولانا السلطان أبي يحيى سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة واهتزت الدولة لقدومها عليهم تعظيما لحق أبها وقومها واحتفاء بها ارتحل السلطان أبو سعيد إلى تازى ليشارف أحوالها بنفسه احتفاء في تكرمتها وسرورا بعرس ابنه واعتل هنالك ومرض حق إذا أشفى على الهلكة ارتحل به ولي العهد الأمير أبو الحسن إلى الحضرة وحمله في فراشه على أكتاف الحاشية والخول حتى نزل بسبو ثم أدخله كذلك ليلا إلى داره وأدركته المنية في طريقه فقضى رحمة الله عليه فوضعوه بمكانه من البيت واستدعى الصالحين لمواراته فووري لشهر ذي الحجة سنة إحدى وثلاثين وستمائة والبقاء لله وحده وكل شيء هالك إلا وجهه.
ولما هلك السلطان أبو سعيد اجتمع الخاصة من المشيخة ورجالات الدولة لولي عهده الأمير أبي الحسن وعقدوا له على أنفسهم وآتوه طاعتهم وبيعتهم وأمر بنقل معسكره من سبو وأضرب بالزيتون من ساحة فاس ولما ووري السلطان خرج إلى معسكره بالتعبية واجتمع إليه الناس على طبقاتهم لأداء البيعة وجلس بفسطاطه وتولى أخذ البيعة له يومئذ على الناس المزوار عبو بن قاسم رئيس الوزعة والمتصرفين وحاجب الباب القديم الولاية بذلك في دارهم منذ عهد السلطان يوسف بن يعقوب وزفت إليه يومئذ عروسه بنت السلطان أبي يحيى فأعرس بها بمكانه من المعسكر وأجمع أمره على الانتقام لأبيها من عدوه وبدأ باستكشاف حال أخيه أبي علي وكان السلطان أبوهما يستوصيه به لما كان له بقلبه من العلاقة وكان ولي العهد هذا يؤثر لرضاه جهده فاعتزم على الحركة إلى سجلماسة لمشارفة أحواله والله تعالى أعلم.

.الخبر عن حركة السلطان أبي الحسن إلى سجلماسة وانكفائه عنها إلى تلمسان بعد الصلح مع أخيه والاتفاق:

لما هلك السلطان أبو سعيد وكملت بيعة السلطان أبي الحسن وكان كثيرا ما يستوصيه بأخيه أبي علي لما كان كلفا به شفوقا عليه فأراد مشارفة أحواله قبل النهوض إلى تلمسان فارتحل معسكره بالزيتون قاصدا سجلماسة وتلقته في طريقه وفود الأمير أبي علي أخيه مؤديا حقه موجبا مبرته مهنئا له بما آتاه الله من الملك متجافيا عن المنازعة فيه قانعا من تراث أبيه بما حصل في يده طالبا العقد له بذلك من أخيه فأجابه السلطان أبو الحسن إلى ما سأل وعقد له على سجلماسة وما إليها من بلاد القبلة كما كان لعهد أبيهما وشهد الملأ من القبيل وسائر زناتة والعرب وانكفأ راجعا إلى تلمسان لإجابة صريخ الموحدين وأغذ السير إليها ولما انتهى إلى تلمسان تنكب عنها متجاوزا إلى جهة المشرق لوعد مولانا السلطان أبي يحيى بالنزول معه على تلمسان كما كان عليه وفاقهم ومشارطتهم مع الأمير أبي زكريا الرسول إليهم فاحتل بتاسالت في شعبان من سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وتلوم بها وأوعز إلى أساطيله بمراس المغرب فأغزاها إلى سواحل تلمسان وجهز لمولانا السلطان أبي يحيى مددا من عسكره أركبهم الأساطيل من سواحل وهران وعقد عليهم لمحمد البطوي من صنائع دولته ونزلوا بجاية ووافوا بها مولانا السلطان أبا يحيى فصاروا في جملته ونهضوا معه إلى تيكلات ثغر بنى عبد الواد المجمرة بها الكتائب لحصار بجاية وبها يومئذ ابن هزرع من قوادهم وأجفل من كان بها من العسكر قبل وصوله إليهم فلحقوا بآخر عملهم من المغرب الأوسط وأناخ مولانا السلطان أبو يحيى عليها بعساكر من الموحدين والعرب والبربر وسائر الحشود فخربوا عمرانها وانتهبوا ما كان من الأقوات مختزنا بها وكان بحرا لا يدرك ساحله لما كان السلطان أبو حمو من لدن اختطها قد أوعز إلى العمال بسائر البلاد الشرقية من عمل البطحاء أن ينقلوا أعشار الحبوب إليها وسائر الأقوات وتقبل ابنه السلطان أبو تاشفين مذهبه في ذلك ولم يزل دأبهم إلى حين حلت بها هذه الفاقرة فانتهب الناس من تلك الأقوات ما لا كفاء له وأضرعوا مختطها بالأرض فنسفوها نسفا وذروها قاعا صفصفا والسلطان أبو الحسن خلال ذلك متشوف لأحوالهم منتظر قدوم مولانا السلطان أبي يحيى عليه لمنازلة تلمسان حتى وافاه الخبر بانتقاض أخيه كما نذكره فانكفأ راجعا واتصل الخبر بمولانا السلطان أبي يحيى فقفل إلى حضرته وحمل البطوي معه وأسنى جائزته وجوائز عسكره وانصرفوا إلى السلطان مرسلهم في سفنهم من ساعتها وانقبض عنان السلطان أبي تاشفين عن غزو بلاد الموحدين إلى أن انقرض أمره والبقاء لله وحده.

.الخبر عن انتقاض الأمير أبي علي ونهوض السلطان أبي الحسن إليه وظفره به:

لما توغل السلطان أبو الحسن في غزاة تلمسان وتجاوزها إلى تاسالت لوعد مولانا السلطان أبي يحيى دس أبو تاشفين إلى الأمير أبي علي في اتصال اليد والاتفاق على السلطان أبي الحسن وأن يأخذ كل واحد منهما بحجزته عن صاحبه متى هم به وانعقد بينهما على ذلك وانتقض الأمير أبو علي على أخيه السلطان أبي الحسن ونهض من سجلماسة إلى درعة فقتل بها عامل السلطان واستعمل عليه من ذويه وسرح العسكر إلى بلاد مراكش واتصل الخبر بالسلطان وهو بمعسكره بتاسالت فأحفظه شأنه وأجمع على الانتقام منه فانكفأ راجعا إلى الحضرة وأنزل بثغرتا وريرت تخم عمله معسكرا وعقد عليه لابنه تاشفين وجعله إلى نظر وزير منديل بن حمامة بن تيربيغين وأغذ السير إلى سجلماسة فنزل عليها وأحاطت عساكره بها وأخذ بمخنقها وحشد الفعلة والصناع لعمل الآلات لحصارها والبناء بساحتها وأقام يغاديها القتال ويراوحها حولا كريتا ونهض أبو تاشفين في عساكره وقومه إلى ثغر المغرب ليوطئه عساكره وبعث في نواحيه يجاذب السلطان عن مكانه من حصار ولما انتهى إلى تاوريرت برز إليه ابن السلطان في وزرائه وعساكره وزحفوا إليه في التعبية فاختل مصافه وانهزم ولم يلق أحدا وعاد إلى منحجره وبادر إلى إمداد الأمير أبي علي بعسكره فعقد على حصة من جنده وبعث بهم إليه فتسربوا إلى البلد زرافات ووحدانا حتى استكملوا عنده وطاولهم السلطان الحصار وأنزل بهم أنواع الحرب والنكال حتى تغلب عليهم واقتحم البلد عنوة وتقبض على الأمير أبي علي عند باب قصره وسيق إلى السلطان فأمهله واعتقله واستولى على ملكه وعقد على سجلماسة واستعمل عليها ورحل منكفئا إلى الحضرة فاحتل بها سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة واعتقل أخاه في إحدى حجر القصر إلى أن قتله لأشهر من اعتقاله خنقا بمحبسه وعدد له هذا الفتح بفتح الجبل واسترجاعه من يد العد ودمره الله بأيدي عسكره وتحت راية ابنه أبي مالك كما نذكره إن شاء الله تعالى.